توقعات سعر الذهب للسنوات الخمس القادمة: هل سيستمر الذهب في الارتفاع؟
حققت أسعار الذهب ارتفاعات ملحوظة اقتربت من قممها التاريخية خلال شهر مايو 2023، حيث بلغت ذروتها عند 2,067 دولار للأونصة، وهي مستويات لم يُشاهدها المعدن الأصفر منذ مارس من العام السابق. وقد غذّى هذا الارتفاع المفاجئ التوتر الذي أحاط بمفاوضات سقف الدين الأمريكي. وحذرت جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأمريكية، من أن الاقتصاد الأمريكي قد يستنفد احتياطياته النقدية بحلول مطلع شهر يونيو.
وفي وقت سابق، شهدت أسعار الذهب ارتفاعًا كذلك بسبب حالة عدم اليقين التي سيطرت على المستثمرين نتيجة اضطرابات القطاع المصرفي. وكان انهيار بنك سيليكون فالي واستحواذ بنك يو بي إس ( UBSG ) على مصرف كريدي سويس السبب الرئيسي وراء هذا القلق الذي زعزع ثقة المستثمرين.
المخطط البياني المباشر لأسعار الذهب
هل سيستمر الزخم الصعودي للمعدن الأصفر؟ وما هي آفاقه المستقبلية؟ نستعرض في هذا المقال توقعات سعر الذهب للخمس سنوات القادمة .
اختصار عن تاريخ الذهب
تم اكتشاف الذهب لأول مرة من قبل المصريين القدماء منذ أكثر من 4000 عام. على مر القرون، استُخدم هذا المعدن الثمين كمخزن للقيمة وعرض للثروة. في العصر الحديث، توسع الطلب على الذهب ليشمل الاستخدام الصناعي، ولا سيما في إنتاج الإلكترونيات.
على غرار العديد من السلع الأساسية، تتأثر أسعار الذهب بشكل كبير بقوى العرض والطلب ومع ذلك، يُنظر إلى المعدن الأصفر أيضًا على أنه أصل استثماري ذو قيمة مستقرة عبر التاريخ. ويُؤمن بعض المستثمرين بقدرته على الاحتفاظ بقيمته ويعتبرونه أداة تحوط فعّالة ضد التضخم ومخاطر الاضطرابات الاقتصادية.
يُسعَّر الذهب بالدولار الأمريكي، مما يعني وجود علاقة عكسية بين سعره وقوة الدولار . يؤدي ارتفاع قيمة الدولار مقابل العملات الأخرى إلى انخفاض أسعار الذهب، حيث يصبح أكثر تكلفة وبالتالي أقل جاذبية للمشترين خارج الولايات المتحدة. وعلى العكس من ذلك، عندما تنخفض قيمة الدولار، فإن ذلك يؤدي إلى زيادة الطلب على الذهب.
يمكن للمستثمرين شراء الذهب في صورته المادية على شكل سبائك، أو تداوله من خلال المشتقات المالية. كما يختار البعض الاستثمار في أسهم شركات تعدين الذهب، أو صناديق الاستثمار المتداولة المرتبطة بالذهب.
عودة الزخم الصعودي لأسعار الذهب في عام 2023
شهد سوق الذهب تحولًا نحو الزخم الصعودي بداية من نهاية عام 2022 واستمر حتى مطلع عام 2023. فقد شهدت أسعار المعدن النفيس ارتفاعًا بنسبة 14% في الفترة من نوفمبر 2022 إلى أوائل فبراير 2023.
ساهم في تعزيز هذه الزيادة النبرة الأقل تشدداً التي تبناها جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. بالإضافة إلى ذلك، أسهم انعاش الاقتصاد الصيني، وما أسفر عنه من زيادة في الطلب على المجوهرات، في دعم أسعار الذهب ببداية عام 2023.
وفي خضم الاضطرابات التي شهدها القطاع المصرفي بعد انهيار بنك سيليكون فالي في مارس، تجاوزت أسعار الذهب حاجز 2,000 دولار للأونصة، حيث سعى المستثمرون إلى الاحتماء بالملاذات الآمنة. وواصل المعدن الأصفر مسيرته الصعودية ليبلغ ذروة لحظية بلغت 2,067 دولارًا للأونصة في 4 مايو. وقد تزامن هذا مع مخاوف رفع سقف الدين الأمريكي وإشارات مجلس الاحتياطي الفيدرالي بإمكانية وقف دورة التشديد النقدي، مما أشعل فتيل الطلب على الذهب.
لماذا يرتفع سعر الذهب؟
شهد عام 2023 ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار الذهب، مدعومًا بمشاعر التشاؤم السائدة تجاه الاقتصاد العالمي والمخاوف المتصاعدة من حدوث ركود اقتصادي وشيك. يميل المستثمرون خلال فترات عدم اليقين إلى اللجوء إلى الأصول الآمنة مثل الذهب، آملين في قدرته على الحفاظ على قيمته.
وفي الوقت الحالي، تُعد مفاوضات سقف الدين الأمريكي واحتمالية تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها من العوامل الرئيسية التي تثير قلق المستثمرين. شهد شهر مايو 2023 جمودًا في المفاوضات بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري بشأن رفع سقف الدين الأمريكي، ما دفع وزيرة الخزانة الأمريكية، جانيت يلين، إلى التحذير من أن هذا الجمود قد يؤدي إلى عجز نقدي بحلول شهر يونيو.
وفي سياق متصل، أكد مايكل بيرس، كبير الاقتصاديين الأمريكيين في مؤسسة Oxford Economics، أن هذا الجمود السياسي يزيد من مخاطر حدوث تخلف كارثي عن سداد الديون. وأوضح أنه حتى في حال تجنب التخلف عن السداد، فمن المرجح أن تؤدي تلك الأزمة إلى خفض الإنفاق الفيدرالي مما قد يلحق الضرر بالاقتصاد:
من جانب آخر، يرى روس مولد، مدير الاستثمار في مؤسسة AJ Bell، أن المناقشات المتصاعدة حول ارتفاع عجز الميزانية الأمريكية وسقف الدين الأمريكي قد تشجع المستثمرين على شراء الذهب.
ساهمت أيضًا الاضطرابات التي شهدها القطاع المصرفي في أعقاب انهيار بنك سيليكون فالي في مارس 2023 – وهو أكبر فشل مصرفي منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008 – في زيادة الطلب على الملاذات الآمنة. وقد تفاقم القلق في أوساط المستثمرين بعد إقرار مصرف كريدي سويس بضعف أنظمته المحاسبية، الأمر الذي أدى إلى خسارة بقيمة 17 مليار دولار في السندات، واستحواذ بنك يو بي إس على المصرف المتعثر، وذلك كله دفع بالمستثمرين إلى الاحتماء بالذهب.
والجدير بالذكر أن المستثمرين ليسوا الجهة الوحيدة التي ترى في الذهب تحوطًا ضد التراجع الاقتصادي. فقد حافظت البنوك المركزية على طلبها القوي على المعدن النفيس، حيث أضافت ما يقدر بـ 228 طنًا من الذهب إلى احتياطياتها العالمية خلال الربع الأول من عام 2023، وفقًا لمجلس الذهب العالمي ، وكانت سنغافورة والصين وتركيا من بين أكبر المشترين للذهب.
علاوة على ذلك، يسهم ضعف الدولار الأمريكي وتوقعات تباطؤ وتيرة رفع أسعار الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في دعم أسعار الذهب المُسعّر بالدولار. حيث قام الفيدرالي برفع سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس خلال اجتماعه في مايو، وأشار إلى إمكانية وقف مؤقت لرفع أسعار الفائدة، وهو ما يشي باحتمالية اتباع نهج أقل تشددًا.
توقعات أسعار الذهب خلال السنوات الخمس المقبلة: نظرة مستقبلية
في أعقاب الاضطرابات التي شهدها القطاع المصرفي في مارس، قامت وكالة Fitch Solutions بمراجعة توقعاتها لسعر الذهب، لتصل إلى متوسط متوقع يبلغ 1,950 دولارًا للأونصة خلال 2023. وأرجعت الوكالة ذلك إلى:
وفي تقريرها عن توقعات أسعار الذهب الصادر في 24 أبريل، قدرت مجموعة ABN-Amro أن يبلغ متوسط سعر المعدن النفيس 1,900 دولار للأونصة في عام 2023، على أن يرتفع إلى 1,950 دولارًا بحلول نهاية عام 2024.
من جهة أخرى، قام محللو أبحاث مجموعة ANZ Research بمراجعة توقعاتهم لأسعار الذهب صعودًا في 13 مايو، مشيرين إلى اضطرابات القطاع المصرفي الأمريكي، وارتفاع أسعار الفائدة، وعدم اليقين المحيط بمفاوضات سقف الدين الأمريكي كعوامل رئيسية عززت جاذبية الذهب كملاذ آمن.
كما سلطت الشركة الضوء على عمليات الاستحواذ الكبيرة على الذهب من قبل البنوك المركزية، وتوقعت ارتفاعًا في مشتريات الذهب في الهند خلال موسم الرياح الموسمية في النصف الثاني من العام.
وبناءً على هذه العوامل، توقعت مجموعة ANZ Research أن يتداول الذهب عند حوالي 2,100 دولار للأونصة بحلول نهاية عام 2023، على أن يتسارع في الارتفاع ليصل إلى 2,200 دولار بحلول سبتمبر 2024. هذا ولم تقدم ANZ Research أي توقعات لأسعار الذهب على مدى السنوات الخمس المقبلة.
أما البنك الدولي، في توقعاته لأسعار الذهب على المدى الطويل والصادرة في أبريل 2023، فقد توقع انخفاض سعر الذهب إلى 1,900 دولار للأونصة بنهاية عام 2023، ليصل إلى 1,750 دولار بحلول نهاية عام 2024.
على النقيض، قدمت خدمة توقعات الأسعار باستخدام الخوارزميات WalletInvestor نظرة أكثر تفاؤلاً لأسعار الذهب على المدى الطويل، وذلك بتاريخ 16 مايو. حيث توقع الموقع ارتفاع سعر المعدن الأصفر ليصل إلى 2,289 دولار بحلول مايو 2028، كما توقع تداول الذهب عند 2,090 دولار للأونصة خلال عام من الآن.
الخاتمة
تجدر الإشارة إلى أن توقعات المحللين والخدمات المعتمدة على الخوارزميات لأسعار الذهب على مدى السنوات الخمس المقبلة تبقى مجرد توقعات تحمل الصواب والخطأ ولا ينبغي الاعتماد عليها كبديل لإجراء أبحاثك الخاصة. تظل أسواق السلع عرضة لتقلبات كبيرة وتتأثر باستمرار بتطورات الأوضاع الاقتصادية والجيوسياسية.
احرص دائمًا على إجراء دراسات معمقة ودقيقة تشمل الاطلاع على آخر الأخبار والتحليلات المتخصصة، سواء الفنية أو الأساسية، وكذلك آراء وتوجهات الخبراء من مصادر متعددة.
تذكّر أن الأداء التاريخي لأصل مالي لا يعتبر ضامنًا للعوائد مستقبلية، وإياك والتداول بمبالغ تتجاوز قدرتك على تحمل خسارتها.