ما هو مفهوم إدارة المخاطر؟

هل تسعى لفهم مفهوم إدارة المخاطر؟ تُعد إدارة المخاطر عملية استباقية تهدف إلى تحديد المخاطر المحتملة ضمن محفظتك الاستثمارية واتخاذ التدابير اللازمة للحد من تأثيراتها. تستلزم هذه العملية فهمًا شاملًا لأنواع المخاطر المالية المتنوعة والإلمام بالأدوات المتوفرة لقياس وتقييم هذه المخاطر.

كيف تتم إدارة المخاطر؟

تُعتبر إجراءات إدارة المخاطر ركيزة أساسية لأي استراتيجية استثمارية مدروسة. يولي المستشارون الماليون اهتمامًا كبيرًا لإدارة المخاطر خلال مشاوراتهم مع العملاء أثناء عملية تخطيط المحفظة الاستثمارية. كما يعتمد المستثمرون من الشركات على التحليلات الدقيقة لتقييم المخاطر والتحكم فيها، وتعكس خطط إدارة المخاطر لديهم درجة تقبلهم للمخاطر أو رغبتهم في تجنبها. بالتالي، تشكل إدارة المخاطر جوهر استراتيجية الاستثمار الخاصة بك وستؤثر بشكل مباشر على كامل الخطة الاستثمارية.

ما تحتاج إلى معرفته حول إدارة المخاطر

لتحقيق إدارة فعالة للمخاطر، يجب أولًا تحديد أهدافك الاستثمارية والخسائر التي يمكنك تحملها، وذلك ضمن الإطار الزمني المحدد. بعد ذلك، يتوجب تحليل العوامل التي قد تحد من عائداتك أو تؤدي إلى تكبد خسائر، وتحديد المخاطر المحتملة ضمن محفظتك الاستثمارية. ستعمل خطة إدارة المخاطر على تحديد أفضل السبل للتقليل من هذه المخاطر والتحكم فيها.

أنواع المخاطر التي يجب إدارتها

كمستثمر، سيكون عليك مواجهة العديد من أنواع المخاطر، لكن يمكن تبسيطها إلى نوعين رئيسيين: المخاطر النظامية والمخاطر غير النظامية. المخاطر النظامية تشير إلى تلك الشكوك التي تغطي السوق بأكمله أو جزءًا كبيرًا منه، كالركود الاقتصادي والنزاعات العسكرية، والتي يصعب في الغالب الحماية منها. بالمقابل، تؤثر المخاطر غير النظامية على عدد محدود جدًا من الأصول، فعلى سبيل المثال، إذا كنت تمتلك أسهمًا في شركة تصنيع سيارات محددة، فإن إضرابًا مفاجئًا في مصنعها الرئيسي بالمملكة المتحدة سيكون مثالًا على المخاطر غير النظامية.

بالإضافة إلى هذين النوعين الأساسيين من المخاطر، هناك مجموعة متنوعة من المخاطر الأخرى التي قد تؤثر على جوانب محددة من محفظتك الاستثمارية:

  • مخاطر حكومية - تتمثل في احتمالية عجز الحكومة عن الوفاء بالتزاماتها المالية، مما قد يؤثر على السندات والأسهم والأدوات المالية الأخرى داخل هذه الدولة، بالإضافة إلى التأثير على الدول الأخرى التي لها علاقات تجارية معها.
  • المخاطر السياسية - تنشأ من احتمالية التغييرات المفاجئة في السياسات الحكومية، مثل اللجوء إلى تشديد اللوائح التنظيمية، أو التأميم، أو حتى مصادرة الأصول.
  • مخاطر تقلبات العملات الأجنبية - تأثير تغيرات أسعار الصرف على قيمة استثمار معين أو محفظة استثمارية. في حال كنت تملك أسهماً بعملة مغايرة لعملة بلدك، قد تواجه خسارة مالية إذا تراجعت قيمة تلك العملة مقابل عملة بلدك.
  • مخاطر سعر الفائدة – احتمالية أن يؤثر تغير أسعار الفائدة على قيمة استثمارك، ويظهر هذا التأثير بشكل خاص في السندات.
  • مخاطر الائتمان - خطورة أن تفشل شركة ما في الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالديون. يتعين على المستثمرين الذين يستثمرون في سندات الشركات ضمن محافظهم الاستثمارية الحذر من هذا النوع من المخاطر، خصوصاً إذا كانوا يحتفظون بما يُعرف بـ "السندات الرديئة" والتي تتمتع بفرص أكبر للتخلف عن السداد.
  • مخاطر السوق أو التذبذب – وهو عبارة عن التغيرات اليومية في أسعار الأسهم. ومن المفهوم، أن وجود درجة من التذبذب ضروري لتحقيق الأرباح.

كيفية تقدير المخاطر

يتوفر للمستثمرين مجموعة واسعة من الأدوات لتقدير المخاطر التي قد تواجه محافظهم الاستثمارية. فيما يلي بعض النماذج الرئيسية لتقدير المخاطر:

  • الألفا والبيتا. هما نسبتان لتقييم المخاطر تُستخدمان لحساب ومقارنة وتوقع العوائد. تُعد الألفا مقياسًا للأداء المعدّل حسب المخاطر ويُبين للمستثمرين ما إذا كانوا يتلقون تعويضًا مناسبًا مقابل مخاطر التذبذب التي يتحملونها. أما البيتا فهي مقياس تاريخي للتذبذب يُظهر كيف يتحرك أصل معين مقارنةً بمعيار مرجعي مثل مؤشر معين.
  • معدّل "شارب" (Sharpe ratio). يعتبر معيار أساسي لتقييم العائد المُعدل حسب المخاطر. بمعنى آخر، يُبين مدى كفاءة عائد الأصل في تعويض المستثمر عن المخاطر. عند المفاضلة بين أصلين بناءً على نفس المعيار المرجعي، يُعتبر الأصل ذو معدّل "شارب" أعلى هو الأكثر قدرة على تحقيق عائد أفضل مقابل المخاطر ذاتها.
  • نموذج تسعير الأصول الرأسمالية (CAPM). تقوم هذه المعادلة بتحديد العائد المتوقع لورقية مالية معينة استنادًا إلى درجة المخاطرة. تجمع معادلة تسعير الأصول الرأسمالية بين معدل العائد الخالي من المخاطرة مضافًا إليه "بيتا" الأوراق المالية مضروبًا في الفارق بين العائد المتوقع للسوق ومعدل العائد الخالي من المخاطرة.
  • القيمة المعرضة للمخاطر (VaR). تُقدر هذه القيمة الحد الأقصى للخسائر التي يمكن أن تتكبدها محفظة استثمارية في ظل ظروف السوق العادية خلال فترة محددة. غالبًا ما تستعين الكيانات المالية والجهات التنظيمية بهذه القيمة لقياس حجم الأصول اللازمة لتغطية الخسائر المحتملة. على سبيل المثال، إذا كان لمحفظة الأسهم معدّل قيمة معرّضة للمخاطر بنسبة 5% ليوم واحد بقيمة 1 مليون دولار، فهذا يعني أن خسارة تتجاوز 1 مليون دولار على المحفظة متوقعة في يوم واحد من بين كل عشرين يومًا.

القدرة على تحمل المخاطر وتجنبها

كما تبين لنا، يمكن للمستثمرين الحد من المخاطر عبر إجراء أبحاث دقيقة لفهم العوامل المؤثرة على الأسواق التي ينخرطون فيها، ومتابعة ظروف السوق عن كثب. لكن من الضروري أيضًا للمستثمرين تحديد الحد الأقصى للخسارة التي يمكنهم تحملها سواء على مستوى المحفظة الإجمالي أو لكل عملية تداول على حدة، وضرورة عدم تجاوز هذه الحدود.

هذا يوصلنا إلى مفهوم حيوي في الاستثمار، وهو قدرة تحمل المخاطر، الذي يُشير إلى مدى استعداد المستثمر لقبول التغيرات في عوائد الاستثمار. يتعين على المستثمرين أن يمتلكوا فهمًا واقعيًا لقدرتهم ورغبتهم في التعامل مع التغيرات الكبيرة في قيمة استثماراتهم. في حالة تحمل مخاطر أكبر من اللازم، قد يقعون في فخ الذعر والبيع في أوقات غير مناسبة.

المستثمر الذي يتجنب المخاطر يميل إلى الابتعاد عن المجازفة، وبالتالي يفضل ألا يضم إلى محفظته الاستثمارية أسهمًا أو استثمارات ذات مخاطر عالية. ولكن، يمكن أن يفوت المستثمرون ذوي الحذر الشديد من المخاطر فرصة الاستفادة من معدلات العائد المرتفعة التي يمكن أن يحققها المستثمرين الأقل حذرًا - مع مواجهة خسائر أكبر عندما لا تسير الأمور كما هو مخطط لها.

كيفية إدارة المخاطر

وضع خطة متكاملة لإدارة المخاطر يُعد عاملاً حاسماً في تحديد مسار نجاحك أو فشلك كمستثمر. بالإضافة إلى ضرورة إلمامك بكافة المخاطر المحتملة، من الأساسي أن تُحدِّد حدودك الخاصة للمخاطر. ثم يمكنك الاستعانة بأدوات مثل أوامر وقف الخسارة* وأوامر الحد لتوفير طبقة حماية في ظل التقلبات السوقية. تُعتبر مستويات وقف الخسارة وجني الأرباح بمثابة حدود سعرية مُحددة مسبقًا يقوم المستثمر بتحديدها ضمن أمر التداول، مما يساعد في تفعيل استراتيجية الخروج عندما تتحرك الأسعار نحو المنطقة المستهدفة من الربح/الخسارة.

يُعد التنويع إحدى الاستراتيجيات الأساسية لخفض المخاطر غير النظامية ضمن خطة إدارة المخاطر. يشير التنويع في المجال المالي إلى توزيع رأس المال بطريقة تقلّص التعرّض لأي أصل أو مخاطرة بعينها. تتضمن استراتيجية التنويع المتبعة بشكل عام خفض التقلبات أو المخاطر من خلال الاستثمار في مجموعة متنوعة من الأصول، بناءً على مبدأ أن تغيرات أسعار الأصول لا تحدث بانسجام تام، ما يعني أن المحفظة المتنوعة ستشهد تذبذبًا أقل من المتوسط المرجح لتذبذب الأصول التي تتكون منها.

لإدارة مخاطر السوق بشكل استراتيجي، يتجه الكثيرون نحو التحوط كتكتيك للتصدي للنتائج المتغيرة. فمثلًا، قد يستكشف المستثمر إمكانية الاستفادة من المشتقات المالية التي تُقدم عوائد في حال انحراف الأسعار عن المتوقع. أو قد يتبع نهجًا يجمع بين فتح صفقات شراء وبيع على المكشوف معًا.

يميل المستثمرون الذين يفضلون الاستثمارات الأكثر أماناً إلى اللجوء إلى شهادات الإيداع، والسندات الحكومية، وسندات الخزانة، التي تتميز عادةً بعوائد أقل. تعتبر سندات الخزانة بمثابة ملاذ آمن للغاية، نظرًا لدعمها بكامل الثقة والائتمان من الحكومة الأمريكية، ما يجعلها في مصاف العوائد الخالية من المخاطر بالسوق. ومع ذلك، مستوى تحمّل المخاطر الكلي للمستثمرين يؤثر على أسعار سندات الخزانة. تميل أسعار سندات الخزانة للانخفاض عندما تظهر الاستثمارات البديلة بمخاطر أقل وعندما يكون الاقتصاد في حالة توسع. بالمقابل، خلال فترات الركود، قد يعتبر المستثمرون سندات الخزانة كأفضل ملاذ لأموالهم، مما يؤدي إلى ارتفاع الطلب عليها.

نصيحة إضافية - يُشدد على المستثمرين بأهمية تجنب التداول العاطفي. لذا، يُنصح بإجراء التحليل الفني بدقة، وتحديد حدودك الاستثمارية، والالتزام بإستراتيجية استثمارية مدروسة بعناية.

*أوامر وقف الخسائر قد لا تكون مضمونة.

إدارة المخاطر المؤسسية

إذا كنت تتولى مهمة إدارة المخاطر نيابة عن شركة، فستصادف بلا شك مصطلح إدارة المخاطر المؤسسية (ERM). يشير هذا المصطلح إلى عملية التخطيط والتنظيم والسيطرة على أنشطة المؤسسة بهدف تقليل تأثير المخاطر على رأس مال المؤسسة وأرباحها. لا تقتصر إدارة المخاطر المؤسسية على المخاطر المتعلقة بالخسائر العرضية فحسب، بل تتعداها لتشمل المخاطر المالية والاستراتيجية ولتشغيلية وغيرها من المخاطر.

ترسخ إدارة المخاطر المؤسسية إطارًا عمليًا لإدارة المخاطر، يتضمن بشكل أساسي تحديد الأحداث أو الظروف المتعلقة بأهداف المؤسسة (سواء كانت مخاطر أو فرص)،تقييم هذه المخاطر والفرص من حيث احتمالية وقوعها وحجم تأثيرها، ومن ثم تطوير استراتيجية للتعامل معها وتتبع التقدم المحرز. عبر تحديد المخاطر والفرص والتعامل معها بفعالية، يمكن للمؤسسات حماية أصولها وتعزيز القيمة لجميع الأطراف ذات المصلحة، بما في ذلك المساهمين والعاملين والعملاء والجهات التنظيمية.

عملية إدارة المخاطر

في الختام، نقدم لكم ملخصًا لعملية إدارة المخاطر. هذه العملية تتبع بشكل عام الخطوات والمبادئ الأساسية نفسها، بغض النظر عن التعبيرات المتخصصة المستخدمة في كل بيئة مؤسسية. تسهم هذه الخمس خطوات، عند تنفيذها بشكل متكامل، في تكوين عملية فعالة لإدارة المخاطر:

  • الخطوة الأولى: تحديد المخاطر وتوصيفها بدقة.
  • الخطوة الثانية: تحليل المخاطر بعمق لتحديد احتمالية وقوع كل مخاطرة وتقدير عواقبها.
  • الخطوة الثالثة: تقييم المخاطر وترتيبها حسب الأولوية.
  • الخطوة الرابعة: إعداد خطة محكمة للتعامل مع المخاطر بهدف الحد منها أو تقليلها إلى مستويات مقبولة.
  • الخطوة الخامسة: المتابعة المستمرة والمراجعة الدورية للمخاطر وكيفية التعامل معها.

مستعد للانضمام إلى أحد أكبر الوسطاء؟

انضم إلى مجتمعنا من المتداولين من جميع أنحاء العالم
انشئ حسابك وتحقق منهقم بعملية إيداعابحث عن تداولك