توقعات أسعار النفط: هل ستستعيد خام غرب تكساس الوسيط وبرنت زخمهما في عام 2023؟
أسعار النفط شهدت تراجعات ملحوظة منذ بلوغها مستويات قياسية في أبريل 2023، وذلك في أعقاب إعلان تحالف أوبك+ عن تخفيضات في حجم الإنتاج. تراجعت الأسعار وسط مخاوف من الركود العالمي وبيئة أسعار الفائدة المرتفعة والمخاوف المحيطة بسقف الديون الأمريكي.
فقد بلغ مؤشر خام برنت قمته عند 86.96 دولارًا للبرميل في 12 أبريل، قبل أن يشهد تراجعًا بأكثر من 13% حتى تاريخ 22 مايو.
المخطط البياني المباشر لسعر خام برنت
وفي الوقت نفسه، تراجعت أسعار خام غرب تكساس الوسيط ، النظير الأمريكي لخام برنت، بأكثر من 11٪ بعد أن سجل 83.11 دولارًا للبرميل.
المخطط البياني المباشر لسعر خام غرب تكساس الوسيط
ومع تعدد العوامل التي تضغط على أسعار هذه السلعة الحيوية في اتجاهات متباينة، فهل ستستعيد الأسعار زخمها المفقود؟ نستعرض في هذا المقال توقعات أسعار النفط لعام 2023 وما بعده.
أساسيات سوق النفط
خام غرب تكساس الوسيط ( WTI ) وخام برنت يتمتعان بجودة عالية وخفّة وكثافة منخفضة ومحتوى كبريت أقل. يفضل المصافون النفط الخفيف لأنه أسهل في التقطير والتكرير والنقل.
برنت وخام غرب تكساس الوسيط هما أهم سوقين للنفط في العالم. يُستخرج نفط برنت الخام من بحر الشمال، ويُستخرج خام غرب تكساس الوسيط في الولايات المتحدة، وبشكل رئيسي من تكساس.
على الرغم من أن خام غرب تكساس الوسيط يحتوي على نسبة كبريت أقل من نفط برنت، إلا أنه عادةً ما يكون أرخص من برنت. وذلك لأن المورد الرئيسي لإمدادات برنت - حقول نفط بحر الشمال - ستنضب على المدى الطويل. من ناحية أخرى، تقوم أمريكا الشمالية بزيادة إنتاج خام غرب تكساس الوسيط من الصخر الزيتي ورمال النفط.
يتم تداول عقود النفط الخام في بورصات السلع: يتم تداول برنت في بورصة العقود الآجلة الدولية (ICE)، بينما يتم تداول خام غرب تكساس الوسيط في بورصة نيويورك التجارية (NYMEX)
ما الذي يحرك أسعار النفط في عام 2023؟
شهدت أسعار النفط العالمية ارتفاعًا قويًا لتتجاوز حاجز 130 دولارًا للبرميل في مارس 2022، مدفوعةً بمخاوف المعروض على خلفية التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، وما تبعه من فرض قيود على واردات النفط من قبل الدول الغربية. ولكن عقب تداولها عند مستويات مرتفعة لفترة من الزمن، سجلت أسعار الذهب الأسود تراجعًات تدريجية، وبحلول نهاية العام 2022 وصلت إلى أدنى مستوياتها خلال عام مع تزايد المخاوف من حدوث ركود اقتصادي عالمي، مما أثر سلبًا على معنويات المستثمرين.
العقوبات على النفط الروسي
هيمنت قرارات فرض العقوبات الغربية على النفط الروسي على عناوين الأخبار الاقتصادية المتعلقة بسوق النفط لأكثر من عام. ودخلت حزمة العقوبات الأوروبية التي تتضمن حظرًا على واردات النفط الخام الروسي المنقولة بحراً حيز التنفيذ في ديسمبر 2022، إلى جانب فرض سقف سعري على النفط الروسي عند مستوى 60 دولارًا للبرميل من قبل الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول السبع وأستراليا. وتلا ذلك فرض حظر على واردات المنتجات النفطية المكررة في فبراير 2023.
كما قامت مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي والدول الشريكة لهما بحظر تقديم الخدمات البحرية لشحنات النفط الخام الروسي والمنتجات النفطية الروسية، إلا في حال تم شراء النفط بسعر مساوٍ أو أقل من السعر الأقصى المحدد.
وفي حين ألقت العقوبات بظلالها على صادرات النفط الروسية المنقولة بحراً، إلا أن حجم الصادرات تعافى إلى حد ما مع تحويل روسيا لتجارتها النفطية إلى دول غير مشاركة في فرض العقوبات في آسيا وأفريقيا. فضلًا عن ذلك، أبدت أسعار النفط تقلبات محدودة على الرغم من العقوبات. ومع ذلك، أشار خبراء الاقتصاد بالبنك المركزي الأوروبي إلى احتمال ظهور التأثيرات على المدى الأطول. فقد أوضحوا في نشرة مارس الاقتصادية :
"قد يكون لسقف الأسعار المفروض على النفط الخام تأثيرًا أقوى على صادرات النفط الخام الروسية في الأشهر المقبلة، حيث يسعى الشركاء في فرض العقوبات إلى الحفاظ على مستوى السقف السعري بما لا يقل عن 5٪ عن سعر السوق للنفط الروسي. ويمكن أن تكشف عمليات إعادة تقييم مستقبلية لمستوى السعر الأقصى عما إذا كانت العقوبات تحقق أهدافها المنشودة، لا سيما وأن روسيا حظرت رسميًا صادرات النفط إلى الدول التي تنضم إلى آلية تحديد السقف اعتباراً من فبراير، حيث ما زالت أكثر من 60٪ من تدفقات النفط الخام الروسية من بحر البلطيق والبحر الأسود مؤمنة من قبل الدول القائمة بفرض العقوبات."
كما أشار الاقتصاديون إلى إعلان روسيا خفض إنتاج النفط في مارس 2023، "بما يعادل حوالي 0.5 ٪ من معروض النفط الخام العالمي"، وأنه بمرور الوقت قد يتسبب الحظر المفروض على المنتجات النفطية المكررة في مزيد من الضغوط.
تداعيات قرار أوبك+ لخفض الإنتاج
في أوائل أبريل الماضي، أعلنت دول تحالف "أوبك+" عزمها خفض إنتاج النفط بمعدل غير متوقع بلغ نحو 1.6 مليون برميل يوميًا. Reuters وقدّرت وكالة رويترز أن هذا سيؤدي إلى وصول إجمالي تخفيضات إنتاج النفط من قبل التحالف، الذي يضم منظمة أوبك وروسيا وحلفاء آخرين، إلى 3.6 مليون برميل يوميًا، بما يمثل حوالي 3.7٪ من إجمالي الطلب.
جاءت هذه الخطوة المفاجئة مدفوعةً بمخاوف الركود العالمي وتصميم من جانب "أوبك+" لدعم أسعار النفط من خلال الحد من المعروض. كما يُعتقد بأن التوترات الجيوسياسية مع الولايات المتحدة حول أسواق الطاقة، إلى جانب قرار الوكالة الدولية للطاقة في العام السابق بالإفراج عن احتياطياتها الاستراتيجية من النفط لكبح جماح الأسعار، قد ساهمت بدورٍ رئيسي في دفع تحالف أوبك+ لاتخاذ هذا القرار.
شهد سعر خام برنت ارتفاعًا حادًا تجاوز 6٪ في أعقاب إعلان التحالف بخفض الإنتاج، حيث وصل إلى قمة بلغت 86.96 دولارًا للبرميل في منتصف أبريل. ومع ذلك، فقد شهدت الأسعار تراجعًا ملحوظًا تجاوز 12٪ بحلول 22 مايو 2023.
مخاوف تباطؤ النمو تضغط على أسعار النفط
بالتوازي مع ذلك، تساهم المخاوف بشأن استمرار التضخم، إلى جانب تباطؤ النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية، والاضطرابات التي يشهدها القطاع المصرفي العالمي، ومخاطر تعثر الولايات المتحدة عن سداد ديونها السيادية، في إضعاف معنويات المستثمرين في سوق النفط. وفي هذا الصدد، أشارت دانييلا هاثورن ، كبيرة محللي السوق في Capital.com، في مذكرة تحليلية صادرة بتاريخ 3 مايو 2023، إلى أن:
"على الرغم من انخفاض المخزونات النفطية الأمريكية، إلا أن توقعات الطلب على النفط الخام ما تزال ضعيفة بسبب هذه المخاوف. وتُعد التوقعات بشأن آفاق النمو الاقتصادي الأمريكي المستقبلية عاملاً رئيسيًا في تحديد مسار أسعار النفط الخام. فمن المرجح أن يؤدي تشديد السياسة النقدية من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى تعزيز قوة الدولار الأمريكي، وهو ما قد يدفع أسعار خام غرب تكساس الوسيط (WTI) إلى الانخفاض مجددًا نحو مستوى 68 دولارًا للبرميل. وعلى النقيض من ذلك، فإذا استشعر المشاركون في السوق ضعفًا في قدرة البنك المركزي على الإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة على مدار عام 2023، فمن المحتمل أن يتراجع الدولار عن مكاسبه الأخيرة، مع عودة شهية المخاطرة إلى أسواق المال، وهو ما قد يدفع أسعار النفط الخام الأمريكي للارتفاع إلى مستويات تتجاوز 75 دولارًا للبرميل مرة أخرى."
وفي السياق ذاته، أشار محللو ANZ Research في تقرير لهم بتاريخ 19 مايو 2023 إلى أن "أسعار النفط تتذبذب ضمن نطاق محدد في ظل تلقي السوق لإشارات متضاربة". وأوضحوا ذلك بالقول:
"بينما لم يشهد الطلب على البنزين في الولايات المتحدة الانتعاش المتوقع مع موسم السفر الصيفي، عادت حركة الطيران في الصين إلى مستويات ما قبل الجائحة. وارتفع الطلب الظاهر على النفط في الصين إلى مستوى قياسي بلغ 14.5 مليون برميل يوميًا، مما رفع حصتها من النمو العالمي للطلب على النفط إلى 50٪. كما يشهد المخزون النفطي في الولايات المتحدة تراجعًا مستمرًا، مع انخفاض المتاح من مخزونات نواتج التقطير على الرغم من ضعف النشاط الصناعي".
توقعات أسعار النفط لعام 2023 وما بعده
في خضم مناخ يسوده التشاؤم في أسواق النفط، خفضّت مؤسسة ING توقعاتها لسعر النفط لخام برنت. وحتى تاريخ 15 مايو، توقّع البنك الهولندي تداول البرميل عند مستوى 82 دولارًا للبرميل في الربع الأول من عام 2023، على أن يرتفع لاحقًا إلى 84 دولارًا و93 دولارًا و99 دولارًا في الأرباع التالية من العام على التوالي، ليبلغ متوسط السعر 90 دولارًا.
وفي عام 2024، توقّع البنك تداول النفط الخام عند 89 دولارًا، على أن ينخفض إلى 75 دولارًا في عام 2025. وحول هذا الموضوع، صرح وارن باترسون، رئيس استراتيجية السلع في مقال بتاريخ 12 مايو :
"تنازل سوق النفط عن كامل المكاسب التي حققها عقب إعلان تحالف أوبك+ الأخير بشأن خفض الإنتاج. وبدلاً من قوى العرض والطلب، باتت التقلبات التي تشهدها العوامل الاقتصادية الكلية هي المحدد الرئيسي لحركة الأسعار. وعلى الرغم من احتمالية حدوث بعض الانخفاض الإضافي على المدى القريب، إلا أن التوقعات للنصف الثاني من العام تبقى إيجابية مدعومةً بتنامي الضغوط على العوامل الأساسية للسوق."
لاحقًا، في تقريرها لتوقعات أسعار النفط على المدى القصير المنشور بتاريخ 9 مايو، قامت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA) بتخفيض توقعاتها لعام 2023. فقد خفضت الوكالة توقعاتها لمتوسط سعر البرميل في هذا العام إلى 79 دولارًا مقابل توقعاتها السابقة عند 85.01 دولارًا، على أن يتراجع السعر إلى 74 دولارًا في عام 2024.
وحتى تاريخ 18 مايو، تتوقع شركة ANZ Research أن يبلغ متوسط سعر خام برنت 90 دولارًا في عام 2023 قبل أن يرتفع إلى 105 دولارات في عام 2024.
Fitch Solutions كانت المؤسسة الوحيدة التي قدمت توقعات لسعر النفط لعام 2025. ووفقاً لتقديراتها الصادرة في مارس 2023، توقعت المؤسسة تداول خام برنت عند 85 دولارًا في 2023، على أن يشهد انحسارًا طفيفًا إلى 75 دولارًا في عام 2024، ثم 65 دولارًا في عام 2025، وصولاً إلى 53 دولارًا في عام 2026.
تجدر الإشارة إلى أنه لم يقدم أي من المحللين توقعات لسعر النفط لعام 2030.
2023 | 2024 | 2025 | 2026 | |
ING | $90 | $89 | $75 | |
EIA | $79 | $74 | ||
ANZ Research | $90 | $105 | ||
Fitch | $85 | $75 | $65 | $53 |
المصدر: ING، GS، EIA، ANZ، فيتش
وفي سياق متصل، تشير توقعات ANZ Research إلى إمكانية ارتفاع سعر خام غرب تكساس الوسيط (WTI) ليصل إلى 104 دولارات بحلول نهاية عام 2023، وأن يستقر تداوله عند هذا المستوى في عام 2024، بمتوسط 89 دولارًا في عام 2023 و104 دولارات في عام 2024.
أما مؤسسة Fitch، فتوقعت تداول خام غرب تكساس الوسيط عند 80 دولارًا في 2023، على أن يتباطأ تدريجيًا إلى 70 دولارًا في عام 2024، ثم 60 دولارًا في عام 2025، و50 دولارًا في عام 2026.
2023 | 2024 | 2025 | 2026 | |
ANZ Research | $89 | $104 | ||
Fitch | 80 دولار | $70 | $60 | $50 |
المصدر: ANZ، فيتش
من المهم الأخذ بعين الاعتبار احتمالية عدم دقة توقعات وتحليلات المحللين. يجب عليك دائمًا إجراء البحوث الخاصة بك قبل التداول، ولا تتداول بأموال تفوق قدرتك على تحمل خسارتها.