توقعات سعر الذهب: هل يحقق الذهب مستويات قياسية جديدة؟
ارتفعت أسعار الذهب إلى مستويات قياسية جديدة في أوائل مايو، حيث وصل سعر الأونصة إلى 2067 دولارًا لأول مرة منذ مارس 2022. دفعت حالة عدم اليقين المحيطة بمفاوضات سقف الدين الأمريكي بأسعار الذهب للارتفاع مؤخرًا، حيث حذرت وزيرة الخزانة، جانيت يلين، من أن أكبر اقتصاد في العالم يواجه مخاطر نفاد السيولة النقدية مع حلول الأول من يونيو.
وسبق أن لقي سعر الذهب دعمًا من قلق المستثمرين إزاء القطاع المصرفي الناجم عن انهيار بنك سيليكون فالي واستحواذ مصرف يو بي أس ( UBSG ) السويسري على مصرف كريدي سويس وهو ما زعزع ثقة المستثمرين.
هل يحافظ سعر الذهب على هذا الاتجاه الصعودي مع تحوّل معنويات المستثمرين نحو العزوف عن المخاطرة، وما هو مستقبل هذا الملاذ الآمن؟ نستعرض في هذا المقال توقعات سعر الذهب لعام 2023 والأعوام التي تليه.
الرسم البياني لسعر الذهب السبوت
ما هي العوامل الرئيسية المؤثرة على سعر الذهب؟
الذهب هو معدن نفيس نادر يوجد في عروق الكوارتز وحصى الجداول بشكله النقي. وللذهب تاريخ يعود إلى زمن مصر القديمة، وهو سلعة ذات تأثير كبير في الاقتصاد العالمي
يتشكل سعر الذهب بفعل قوى العرض والطلب، على الرغم من أن قيمة المعدن محل تقدير تتجاوز قيمته الاستخدامية. يستخدم بعض المستثمرين الذهب كملاذ آمن خلال فترات الركود أو عدم اليقين، أو كأداة تحوط ضد التضخم.
تاريخيًا، كانت فترات التضخم المرتفع إيجابية لسعر الذهب، حيث يميل المستثمرون إلى الهروب من العملة الورقية نحو المعدن الأصفر. وبالتالي، فإن السياسة النقدية التي تنفذها البنوك المركزية للسيطرة على التضخم تلعب دورًا محوريًا في تحديد سعر الذهب
كسلعة قابلة للتداول، يتم تسعير الذهب بالدولار الأمريكي، مما يخلق علاقة عكسية مع الدولار الأمريكي. عندما يرتفع الدولار الأمريكي مقابل العملات الأخرى، يصبح الذهب أغلى، مما يضر بالطلب. من ناحية أخرى، عندما ينخفض الدولار الأمريكي، يؤدي ذلك إلى زيادة سعر الذهب حيث يصبح المعدن أرخص للمشترين من الخارج.
يُستخدم الذهب أيضًا في صناعة المجوهرات، والتي تحظى بشعبية خاصة في الصين والهند - بعض من أكبر المشترين في العالم - للاحتفالات والأعراس. وتصدرت سويسرا والهند والمملكة المتحدة والصين قائمة أكبر مستوردي الذهب في عام 2021، وفقًا لموقع Statista.
أسعار الذهب تقترب من مستويات قياسية في عام 2023
شهد المعدن النفيس تغيُرًا في اتجاهه إلى زخم صعودي في أواخر عام 2022 والأسابيع الأولى من عام 2023، محققًا سلسلة من الارتفاعات المتتالية وتحقيق قمم وقيعان أعلى من السابقة. فقد ارتفع سعر الذهب بنسبة 14٪ من نوفمبر 2022 إلى أوائل فبراير 2023، مدعومًا بنبرة أقل تشددًا من قبل جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. بالإضافة إلى ذلك، ساهم إعادة فتح الاقتصاد الصيني وما ترتب عليه من ارتفاع الطلب على المجوهرات في دعم سعر الذهب في بداية عام 2023.
كما تخطى سعر الأونصة حاجز الـ 2000 دولار في مارس وسط الاضطرابات التي شهدها القطاع المصرفي بعد انهيار بنك سيليكون فالي، مما دفع المستثمرين إلى البحث عن ملاذات آمنة. وقد واصل المعدن النفيس اتجاهه الصاعد، ليبلغ ذروته عند 2067 دولار للأونصة خلال التداولات اليومية في 4 مايو مدفوعًا بالمخاوف بشأن سقف الدين الأمريكي إلى جانب إشارات من الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بإمكانية إيقاف دورة تشديد السياسة النقدية مؤقتًا.
المخاوف بشأن سقف الدين الأمريكي تدعم الذهب
سقف الدين الأمريكي هو الحد الأقصى لمقدار الديون التي يمكن للحكومة الفيدرالية تحملها. وينص الدستور الأمريكي على أن يوافق الكونجرس على أي إصدار للديون، مما يمنح الحكومة بدوره سلطة تمويل الالتزامات الملزمة قانونًا مثل الضمان الاجتماعي، ومزايا الرعاية الطبية، وأجور العسكريين، والفوائد على الدين القومي، والإعفاءات الضريبية، وغيرها من المستحقات الأخرى.
في مايو 2023، وصلت المفاوضات بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري بشأن قضية سقف الدين إلى طريق مسدود. فقد دعا الجمهوريون إلى خفض الإنفاق إلى مستويات عام 2022 كشرط أساسي لزيادة سقف الدين. من ناحية أخرى، كان الديمقراطيون يؤيدون ""مشروع قانون غير مقيد""، خالٍ من الشروط المسبقة. كما حذرت وزيرة الخزانة، جانيت يلين، من أن المأزق بشأن سقف الدين قد أدى إلى زيادة تكلفة الاقتراض الحكومي. وأشارت كذلك إلى أن الولايات المتحدة قد تستنفد احتياطاتها النقدية مع بداية شهر يونيو.
كما أوضح مايكل بيرس، كبير الاقتصاديين الأمريكيين في Oxford Economics:
من ناحية أخرى، أشار روس مولد، مدير الاستثمار في AJ Bell، إلى أن العجز المتزايد في الميزانية الفيدرالية الأمريكية والنقاش الدائر على ساحة الكابيتول هيل (مقر الكونجرس) حول سقف الدين سيكونان أهم عوامل جذب المستثمرين لشراء الذهب. وفي هذا السياق، قال مولد:
الأزمة المصرفية تدعم سعر الذهب
كان انهيار بنك سيليكون فالي، وهو أكبر فشل مصرفي منذ الأزمة المالية لعام 2008، عاملًا آخر في دفع الطلب على الملاذات الآمنة في عام 2023. فقد كان لدى البنك المتعثر استثمارات هائلة في سندات الخزانة الأمريكية، والتي انخفضت قيمتها وسط ارتفاع أسعار الفائدة. ومن أجل تغطية عمليات سحب العملاء، اضطر بنك سيليكون فالي إلى بيع السندات، مما أدى إلى مشاكل سيولة حيث سحب المزيد من العملاء أموالهم بسبب المخاوف بشأن السيولة.
واستمرت الصعوبات في القطاع المصرفي حيث أقر بنك كريدي سويس بوجود "نقاط ضعف جوهرية" في أنظمة التسجيل لديه، مما أدى إلى عملية استحواذ إنقاذ قام بها منافسه مصرف يو بي أس، وهي صفقة أدت إلى انهيار قيمة سندات كريدي سويس التي تبلغ قيمتها 17 مليار دولار. وقد تسبب ذلك في مزيد من القلق في الأسواق، وألحق الضرر بثقة المستثمرين في أسهم البنوك.
ولاستعادة الثقة، اتخذت العديد من البنوك المركزية، بما في ذلك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا، إجراءات مشتركة لضخ سيولة دولارية لتعزيز السيولة في الأسواق، في خطوة تذكر بما تم اتخاذه خلال الأزمة المالية في عام 2008، وعند تفشي جائحة كوفيد-19.
اقتراب نهاية دورة التشديد النقدي من جانب الاحتياطي الفيدرالي
بصرف النظر عن أزمتيّ القطاع المصرفي وسقف الدين الأمريكي، تأثر مسار سوق الذهب بالآثار المتباينة للتضخم المرتفع بشكل مطرد من جهة، وقيام البنوك المركزية، وخاصة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، برفع أسعار الفائدة للسيطرة على ارتفاع أسعار المستهلكين من جهة أخرى.
قام البنك المركزي الأمريكي برفع الأسعار سبع مرات في عام 2022، وحتى الآن ثلاث مرات في عام 2023، مما أدى إلى رفع السعر إلى ما بين 5% و 5.25%، وهو أعلى مستوى في 16 عامًا. ومع ذلك، أشار الاحتياطي الفيدرالي في اجتماع مايو إلى إمكانية تخفيف حدة التشديد النقدي، وهو ما يشير إلى أن دورة رفع أسعار الفائدة قد تكون في مراحلها النهائية.
في تقريرهم عن توقعات سوق الذهب بتاريخ 12 مايو، أشار المحللون في مجموعة ANZ المصرفية إلى ما يلي:
بالإضافة إلى ذلك، تأثر سعر الذهب إلى حد كبير بالدولار الأمريكي، الذي استفاد من تشديد السياسة النقدية. فقد بلغ مؤشر الدولار الأمريكي (DXY)، الذي يقيس أداء الدولار مقابل سلة من العملات الأخرى، ذروته عند 114.68 في أواخر سبتمبر 2022، لكنه تراجع منذ ذلك الحين بأكثر من 10% (اعتبارًا من مايو 2023).
المخطط البياني لمؤشر الدولار (DXY)
توقعات سعر الذهب لعام 2023 وما بعده
دفعت التقلبات المستمرة في السوق المحللين إلى الاكتفاء بتقديم توقعات لسعر الذهب حتى عام 2024 فقط.
ففي 13 مايو، رفعت مجموعة ANZ توقعاتها لسعر الذهب، مشيرة إلى المشاكل التي يعاني منها القطاع المصرفي الأمريكي، وارتفاع أسعار الفائدة، والمخاوف المحيطة بسقف الدين كعوامل رئيسية في دفع الطلب على الملاذات الآمنة. بالإضافة إلى ذلك، أشار محللو ANZ إلى مشتريات الذهب من قبل البنوك المركزية، والتي بلغت 228 طنًا في الربع الأول من عام 2023، بالإضافة إلى موسم الرياح الموسمية في الهند التي قد ترفع الطلب على الذهب في النصف الثاني من العام.
وتوقع محللو ANZ تداول المعدن النفيس عند 2100 دولار بحلول أواخر عام 2023، مع تسارعه ليصل إلى 2200 دولار بحلول سبتمبر 2024. لكنهم لم يقدموا توقعات لسعر الذهب لعام 2025.
وتوقعت منصة TradingEconomics في 16 مايو أن يتم تداول الذهب بسعر 2041 دولار في نهاية الربع الحالي. كما رأت النماذج الاقتصادية للموقع وكذلك توقعات المحللين بأن سعر المعدن النفيس سيرتفع إلى 2120.72 دولارًا في غضون 12 شهرًا.
لم يقدم المحللون توقعات لسعر الذهب لعام 2030.
الخاتمة
عند تقييم توقعات أسعار الذهب، من المهم توخّي الحذر بسبب التقلبات الشديدة في الأسواق، مما تحد القدرة على تقديم تنبؤات دقيقة على المدى البعيد. والنتيجة الطبيعية لهذا الواقع، هي أن توقعات المحللين والمنصات المعتمدة على الخوارزميات قد لا تكون صائبة دائمًا.
ننصح دائمًا بإجراء بحوث ودراسات شخصية موسّعة. مع متابعة مستمرة لمستجدات السوق والإخبار المتخصصة. يشمل ذلك إجراء تحليل فني ومُعمّق لأبرز الاتجاهات، مع الاطلاع على تعليقات الخبراء من مصادر موثوقة والإنصات لتوجهاتهم، وذلك قبل التداول. تذكر أن الأداء التاريخي لأصل مالي لا يعتبر ضامنًا للعوائد مستقبلية، وإياك والتداول بمبالغ تتجاوز قدرتك على تحمل خسارتها.