توقعات الجنيه المصري: الجنيه ينخفض إلى مستويات قياسية مع اقتراب الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، ومن المحتمل حدوث المزيد من الضعف
تراجع سعر صرف الجنيه المصري ( EGP ) بأكثر من 19٪ على أساس سنوي منذ بداية العام حتى الآن مقابل الدولار الأمريكي (USD). في ديسمبر، توصلت الحكومة المصرية إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي (IMF) للحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار ووافقت على الانتقال إلى نظام صرف أكثر مرونة. في 10 يناير، التزمت الحكومة المصرية حتى بتقليص دور الجيش في الاقتصاد كجزء من حزمة الإنقاذ المالي من صندوق النقد الدولي.
تطرق تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي في يناير إلى أن القاهرة قد وافقت على تطبيق إصلاحات هيكلية "جوهرية" تشتمل "المساواة بين القطاعين العام والخاص" في إطار سياسة ملكية الدولة التي أقرها الرئيس عبد الفتاح السيسي.
في ظل الأزمة الطاحنة التي تواجهها الدولة العربية في توفير العملة الصعبة، إلى جانب ضعف الجنيه وارتفاع التضخم، سمحت الحكومة بانخفاض قيمة الجنيه بنسبة 57.6٪ خلال عام 2022. وما زال الجنيه يفقد المزيد من قيمته خلال الأيام الأولى من عام 2023.
تعرض الاقتصاد المصري لضغوط نتيجة تخفيضات الميزانية، وآثار جائحة كوفيد-19 والنزاع الروسي الأوكراني، ويواجه نقصًا في العملة الأجنبية.
هل ستقوم مصر بإضعاف الجنيه المصري أكثر؟ ما الذي كان يدفع قيمة العملة للانخفاض؟ في هذا المقال نلقي نظرة على الأداء الأخير للعملة وأحدث توقعات المحللين للجنيه المصري.
ما الذي يحرك الجنيه المصري؟
الجنيه المصري هو العملة الرسمية لمصر. في البداية سمح البنك المركزي المصري للجنيه بالتحرك بحرية في نوفمبر 2016، مما أدى إلى تخفيض قيمته، ومنذ ذلك الحين تحكم في سعر الصرف.
تتأثر قيمة الجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية بشكل مباشر بالميزان التجاري للبلاد وصافي الاحتياطيات النقدية.
تعتمد مصر بشكل كبير على استيراد الحبوب، إذ تُعد أكبر مستورد للقمح في العالم. وقد أتت حوالي 82٪ من وارداتها من القمح خلال السنوات الخمس الماضية من روسيا وأوكرانيا، مما زاد من وطأة تأثير الصراع بين البلدين على فجوة العجز التجاري، وأسهم في ارتفاع معدلات التضخم بشكل ملحوظ.
كما شهدت صادرات القمح الأوكراني توقفًا شبه كامل بعد الغزو الروسي، مما أدى إلى ارتفاع حاد في الأسعار في الأسواق الدولية إلى مستويات قياسية غير مسبوقة.
وكما هو الحال مع عملات الأسواق الناشئة الأخرى، تعرض الجنيه المصري لضغوط شديدة هذا العام بسبب ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي على خلفية الزيادات المتنامية في أسعار الفائدة الأمريكية. وقد أدى ذلك إلى تفاقم تكلفة استيراد السلع الأخرى المقومة بالدولار، كالنفط والقمح.
تراجع قيمة الجنيه المصري في ظل ظروف اقتصادية صعبة
شهدت قيمة الجنيه المصري تحسنًا طفيفًا أمام الدولار الأمريكي في أعقاب تخفيض قيمة العملة في عام 2016، وهو القرار الذي أدى إلى صعود سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الجنيه المصري (USD/EGP) من 7.83 في بداية العام إلى 18.60 بنهاية العام نفسه.
وافتتحت تداولات عام 2022 عند سعر صرف 15.71، ثم ارتفعت بشكل حاد لتصل إلى 18.54 في 22 مارس عندما قامت الحكومة بتخفيض قيمة العملة المحلية كرد فعل للحرب في أوكرانيا وتزايد معدلات التضخم الناجمة عن ارتفاع أسعار السلع الأساسية.
واصلت قيمة الجنيه انحدارها مع تدهور الوضع الاقتصادي، حيث اخترق سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الجنيه المصري (USD/EGP) حاجز الـ 19 مع بداية شهر أغسطس، ليصل إلى 24.18 مع نهاية أكتوبر. واستمر ارتفاع سعر الصرف في زيادات تدريجية أصغر حجمًا، ليُنهي العام عند 24.75. ثم بدأ في الارتفاع مرة أخرى ليبلغ 27.22 خلال الأيام القليلة الأولى من شهر يناير.
وكذلك شهد الجنيه المصري تراجعًا مقابل اليورو (EUR) خلال العام الماضي. حيث تسبب تخفيض قيمة العملة المحلية في صعود سعر صرف زوج اليورو مقابل الجنيه (EUR/EGP) من 17.37 إلى 20.45، ثم عاود الزوج الانخفاض إلى 18.91 في 14 يوليو قبل أن يرتد ليصل إلى 19.77 في 11 أغسطس. تراجع اليورو مجددًا ليختتم تداولات 27 سبتمبر عند مستوى 18.70، ولكنه عاد إلى الارتفاع مسجلًا 23.90 بنهاية أكتوبر. وبحلول نهاية ديسمبر، بلغ سعر صرف زوج اليورو مقابل الجنيه حوالي 26.49. ويواصل الزوج اتجاهه الصعودي حتى هذه اللحظة من عام 2023، مسجلًا 28.84.
وفي عام 2023، شهد مطلع شهر يناير تداولات زوج الدولار الأمريكي مقابل الجنيه المصري (USD/EGP) عند مستوى 27.55، وبحلول بداية فبراير ارتفع إلى 30.23، وظل يتداول بالقرب من هذه القيمة حتى بداية أبريل. كما ارتفع سعر صرف اليورو مقابل الجنيه المصري (EUR/EGP) بنسبة 27٪ على أساس سنوي. حيث افتتح يناير عند 26.30، ومنذ ذلك الحين ارتفع ليصل إلى 33.69 حتى تاريخ 4 أبريل.
ووفقًا للبيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (CAPMAS) في مصر، تسارع معدل التضخم السنوي الحضري في مصر ليصل إلى 31.9٪ في فبراير 2023، مُرتفعًا من 25.8 ٪ في الشهر السابق، وبما يزيد عن توقعات السوق البالغة 26.9٪. ويُعد هذا هو أسرع معدل تضخم منذ أغسطس 2017، حيث يظل التضخم أعلى من النطاق المستهدف من قِبل البنك المركزي البالغ 5-9٪ سنويًا، ويعود ذلك في الغالب إلى ضعف قيمة الجنيه بعد سلسلة من تخفيضات قيمة العملة خلال الأشهر الماضية.
شهد معدل التضخم السنوي الحضري قفزة حادة بدعم أساسي من ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية (بنسبة 61.8٪ مقابل 48٪ في يناير)، والتي تمثل الوزن الأكبر ضمن سلة مؤشر أسعار المستهلكين. كما ارتفع معدل التضخم الأساسي السنوي، الذي يستثني بنود السلة ذات التقلبات العالية كالمواد الغذائية، ليبلغ 40.26٪ في فبراير 2023 مرتفعًا من 31.24% في الشهر السابق، مسجلاً بذلك أعلى مستوى منذ يناير 2005 على الأقل. وعلى أساس شهري، سجلت أسعار المستهلكين ارتفاعًا بنسبة 6.5٪ في فبراير الماضي مرتفعًا من 4.7% في الشهر السابق، وهو أعلى معدل شهري منذ أكتوبر 1989.
وقد استأنف البنك المركزي المصري سلسلة رفع أسعار الفائدة في أكتوبر، بزيادة قدرها 200 نقطة أساس. وتحركت لجنة السياسة النقدية مجددًا في اجتماعها بتاريخ 22 ديسمبر برفع سعر الإيداع لليلة واحدة، وسعر الإقراض لليلة واحدة، وسعر العملية الرئيسية، بواقع 300 نقطة أساس إلى 16.25٪ و17.25٪ و16.75٪ على التوالي.
وفي مارس 2023، عاود البنك المركزي رفع أسعار الفائدة على الودائع لليلة واحدة بواقع 200 نقطة أساس، في أعقاب اجتماع لجنة السياسة النقدية في مسعى لاحتواء الارتفاع الحاد في معدلات التضخم.
وفي هذا السياق، أكدت لجنة السياسة النقدية:
تتعدد مصادر العملة الأجنبية لمصر، ومن أهمها: الصادرات، والسياحة، وتحويلات المصريين العاملين بالخارج، والاستثمار الأجنبي المباشر، وعائدات المرور في قناة السويس.
وقد تأثرت عائدات السياحة سلبًا بالحرب الروسية الأوكرانية، حيث تُعد مصر وجهة سياحية شائعة للسياح من كلا البلدين. كما قام المستثمرون بتصفية مراكزهم في السندات السيادية بهدف خفض تعرضهم للأسواق الناشئة في ظل ارتفاع ربغتهم بالعزوف عن المخاطر على خلفية الاضطرابات الجيوسياسية المتصاعدة.
وفي إطار مواجهة هذه الضغوط، أعلن المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي في 16 ديسمبر الماضي عن موافقته على اتفاق مدته 46 شهرًا لمنح مصر قرضًا بقيمة 3 مليارات دولار.
وتشمل حزمة الإصلاحات المطلوبة بموجب هذا الاتفاق "التحول الدائم إلى نظام سعر صرف مرن لزيادة القدرة على مواجهة الصدمات الخارجية وإعادة بناء احتياطيات النقد الأجنبي". علاوة على ذلك، تقتضي السياسة النقدية تبعًا لهذه الحزمة خفضًا تدريجيًا لمعدلات التضخم، والابتعاد عن برامج الدعم الحكومي، وإعادة هيكلة الدين العام مع زيادة الإنفاق الاجتماعي، وتطبيق إصلاحات هيكلية لتقليل بصمة الدولة في الاقتصاد وتعزيز نمو القطاع الخاص.
ما هي التوقعات لأداء الجنيه المصري مقابل العملات الرئيسية الأخرى لبقية العام الجاري وما بعده؟ هل ستشهد العملة مستويات قياسية جديدة من التراجع أمام الدولار أم أنه سترتد للأعلى؟
توقعات سعر صرف الجنيه المصري لعام 2023: إلى أين تتجه العملة خلال هذا العام وما بعده؟
يتوقع المحللون أن يظل الجنيه المصري تحت ضغط مستمر خلال المدى القريب، مع احتمال تسجيله مستويات متدنية جديدة مقابل العملات الأجنبية الرئيسية.
"إن الانخفاض الحاد في قيمة الجنيه المصري، الذي جاء في أعقاب التحرك نحو تخفيف القيود المفروضة على سوق الصرف الأجنبي خلال الأسبوع الماضي، يُعد مؤشرًا على أن السلطات قد بدأت في الوفاء بالتزاماتها بالانتقال إلى نظام سعر صرف أكثر مرونة. وهناك بوادر بالفعل تشير إلى أن تحسن القدرة التنافسية يقدم الدعم اللازم لقطاع الصادرات. ولكن مع استمرار ارتفاع معدلات التضخم على المدى القصير جدًا، علاوة على تشديد السياسات المالية والنقدية بسبب تراجع قيمة الجنيه، سيؤدي كل ذلك إلى الضغط على النمو الاقتصادي"، وذلك وفقًا لما جاء في أحدث تحليل لسعر صرف الجنيه المصري الذي صدر في 4 يناير حيث أعدّ جيسون توفي، كبير الاقتصاديين المتخصصين بالأسواق الناشئة لدى Capital Economics .
توقعات USD/EGP
يتوقع المحللون لدى Fitch Solutions أن يظل الجنيه المصري عرضة للتقلبات مقابل الدولار في توقعاتهم لسعر الصرف. ويرون إمكانية لتحسن الوضع إلى حدٍ ما في عام 2023، حيث أشاروا في أكتوبر الماضي وقالوا "نعتقد أن اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي سوف يخفف الضغوط على المدى القصير ويقلل من حالة عدم اليقين. ففي حين أن تعويم سعر صرف العملة سوف يؤدي إلى زيادة الضغوط التضخمية وتقليص الاستهلاك، إلا أنه سيساعد في معالجة الاختلالات في سوق الصرف الأجنبي. ومع ذلك، سيستمر تعرض البلاد للمخاطر الخارجية إلى أن تسفر جهود السلطات الرسمية عن تدفقات مستدامة من رؤوس الأموال الأجنبية."
وأضاف محللو فيتش:
في وقت كتابة هذه المقالة، تشير تحليلات صادرة عن TradingEconomics إلى إمكانية ارتفاع زوج الدولار الأمريكي مقابل الجنيه المصري (USD/EGP) ليسجل مستويات جديدة على مدار العام المقبل، حيث يُتوقَع أن يرتفع من 27.00 بنهاية الربع الجاري إلى 29.59 في غضون 12 شهرًا، وذلك بحسب توقعات المحللين والنماذج الحسابية للاقتصادات الكلية.
كما أظهرت توقعات منصة WalletInvestor القائمة على النماذج الحسابية المبنية على الخوارزميات لسعر صرف الجنيه لعام 2023 توقعات بتداول العملة عند مستوى 27.073 مقابل الدولار الأمريكي بحلول نهاية العام، على أن تزيد تلك القيمة لتبلغ 29.732 في عام 2025، وتصل إلى 32.331 خلال خمس سنوات قادمة.
توقعات سعر صرف اليورو مقابل الجنيه المصري (EUR/EGP)
تشير التوقعات إلى احتمالية استمرار تراجع قيمة الجنيه المصري مقابل اليورو.
وأظهر التحليل الصادر عن TradingEconomics ارتفاع زوج اليورو مقابل الجنيه المصري (EUR/EGP) من مستوى 28.1759 بنهاية الربع الحالي ليصل إلى 29.3940 خلال عام واحد.
وعلى المدى الأطول، أظهرت توقعات WalletInvestor لسعر صرف الجنيه مقابل اليورو لعام 2025 إلى توقعات بإنهاء العام عند مستوى 30.247، مرتفعًا عن مستوى 28.263 الذي يتوقَع تسجيله مع نهاية عام 2023.
ولم يصدر المحللون بعد التوقعات لسعر صرف الجنيه المصري لعام 2030.
خلاصة القول
إذا كُنت تبحث عن توقعات لسعر صرف الجنيه المصري بهدف المساعدة في اتخاذ قرارات التداول بالعملات الأجنبية، فعليك الحذر، حيث قد تخطئ توقعات المحللين والنماذج الحسابية المبنية على الخوارزميات. لذا، ينبغي ألا تستخدم التوقعات كبديل عن إجراء البحوث الخاصة بك وتحليل البيانات بنفسك. احرص على إجراء دراسات معمقة ودقيقة تشمل الاطلاع على آخر الأخبار والتحليلات المتخصصة، سواء الفنية أو الأساسية، دون إغفال آراء وتوجهات الخبراء من مصادر متعددة.
وتذكّر أن الأداء السابق لا يضمن تحقيق نتائج مماثلة مستقبلًا. وإياك والمخاطرة بمبالغ لا تحتمل خسارتها.