دليلك الشامل للتداول الكمّي

تعرف على أسرار التداول الكمّي، مع نصائح وأمثلة عملية حول كيفية التداول باستخدام منهجية قائمة على البيانات مع Capital.com
ما المقصود بالتداول الكمّي؟
التداول الكمّي، أو كما يُعرف اختصارًا بـ "الكوانت"، هو منهجية تداول متطورة تعتمد بشكل أساسي على البيانات، وتوظف النماذج الرياضية والتكنولوجيا المتقدمة في صميم عملية اتخاذ قرارات التداول. وبخلاف الأساليب التقليدية التي تعتمد بشكل كبير على الحدس البشري والخبرة الشخصية والانفعالات العاطفية، يستخدم التداول الكمّي خوارزميات ونماذج إحصائية معقدة لتحديد الفرص المتاحة في السوق واقتناصها بشكل منهجي.
بعبارة أخرى، يُعد التداول الكمّي أسلوب تداول منطقيًا وعلميًا، يساعد على تقليل احتمالات الخطأ البشري إلى أدنى حد ممكن – لا سيما تلك الأخطاء الناجمة عن الانفعالات العاطفية كالخوف أو الطمع.
من هو المتداول الكمّي؟
المتداول الكمّي هو ذلك المتداول الذي يتبنى التحليل الكمّي والتقنيات الحاسوبية لتطوير وتنفيذ استراتيجياته التداولية. في الماضي، كان التداول الكمّي حكرًا شبه كامل على المؤسسات المالية الكبرى، نظرًا لاعتماده على قدرات حاسوبية هائلة وفهم متقدم للغات البرمجة مثل بايثون، وآر، وسي++.
ولكن، لقد جعلت التكنولوجيا الحديثة التداول الكمّي أكثر يسرًا وفي متناول شريحة أوسع من المتداولين. فالأدوات المتقدمة مثل منصات ميتاتريدر 4، وميتاتريدر 5، وتريدينغ فيو، أصبحت متوفرة الآن عبر منصات تداول موثوقة، وبواجهات سهلة الاستخدام تتيح للمتداولين تطبيق استراتيجيات كمية دون الحاجة إلى معرفة برمجية واسعة.
كيف تعمل استراتيجيات التداول الكمّي؟
يعمل التداول الكمّي باستخدام أساليب رياضية وإحصائية لتحليل البيانات المالية. ففي التداول الكمّي، تقوم خوارزميات الحاسوب تلقائيًا بإجراء التحليل الفني لتحديد اتجاهات وأنماط السوق، وغالبًا ما يتم ذلك في أجزاء من الثانية، بهدف توفير رؤى قابلة للتنفيذ الفوري.
فعلى سبيل المثال، قد يتعرف متداول ما على اتجاه أو نمط سعري معين على الرسم البياني باستخدام التحليل الكمّي، ثم يقوم ببناء خوارزمية تداول كمية تقوم بتحليل بيانات الأسعار وأحجام التداول لتأكيد هذه الإشارة، أو لاستباق التحركات السوقية الكبرى.
وغالبًا ما يُستخدم "التداول عالي التردد" (HFT) و"التداول الخوارزمي" جنبًا إلى جنب مع التداول الكمّي. حيث يتيح التداول عالي التردد لأجهزة الحاسوب تنفيذ الصفقات تلقائيًا في جزء من الثانية، مما يُمكّن المتداولين من التفاعل بسرعة مع متغيرات السوق والاستفادة المحتملة من التقلبات السعرية السريعة.
التداول الكمّي – بين المزايا الواعدة والمخاطر الكامنة
المزايا
يوفر التداول الكمّي سرعة فائقة في اتخاذ القرارات وتنفيذها مقارنة بالأساليب التقليدية، إلى جانب قدرته الفذة على تحليل العلاقات المعقدة والمتشابكة بين السعر والحجم والمتغيرات الأخرى عبر مختلف فئات الأصول في آن واحد.
المخاطر
على الرغم من تطورها، لا تزال الخوارزميات من تصميم وتهيئة البشر، وبالتالي فإن احتمالية الخطأ البشري تظل قائمة. فأي خطأ بسيط، مثل إدخال معلمات غير صحيحة أو حتى خطأ طفيف في المعايرة، يمكن أن يؤدي إلى تفسير خاطئ للبيانات وارتكاب أخطاء فادحة ومكلفة.
نماذج وتقنيات التداول الكمّي
يجمع التداول الكمّي بين الخوارزميات المتقدمة، وتحليل البيانات الضخمة، والنماذج الإحصائية المعقدة، بهدف استشراف تحركات السوق المستقبلية وتنفيذ الصفقات تلقائيًا بناءً على شروط محددة مسبقًا.
وفيما يلي، نستعرض آلية عمله:
جمع البيانات
يتم تجميع مجموعات بيانات ضخمة من مصادر متنوعة، تشمل بيانات الأسعار وأحجام التداول التاريخية، بالإضافة إلى بيانات بديلة مثل معنويات الأخبار والمؤشرات الاقتصادية الكلية.
التحليل
تقوم الخوارزميات بتحليل هذه البيانات بحثًا عن الاتجاهات والأنماط وعلاقات الارتباط الخفية بين أسعار الأصول. وغالبًا ما تُستخدم تقنيات تعلم الآلة والأساليب الإحصائية المتقدمة للكشف عن رؤى أعمق لا يمكن ملاحظتها بالعين المجردة.
بناء وتطوير الاستراتيجية
تقوم الخوارزميات بابتكار استراتيجيات تداول بناءً على هذا التحليل، مثل استراتيجيات "الارتداد إلى المتوسط" أو استراتيجيات "تداول الزخم".
الاختبار الرجعي للاستراتيجية
يتم اختبار الاستراتيجية المُبتكرة على بيانات تاريخية لتقييم مدى نجاحها المحتمل، مع الأخذ في الاعتبار دائمًا أن الأداء السابق ليس ضمانًا أو مؤشرًا موثوقًا لتحقيق نتائج مستقبلية.
التنفيذ
إذا أثبت الاختبار الرجعي نجاح الاستراتيجية، يتم تطبيقها على بيانات السوق اللحظية. وتُعد المراقبة المستمرة للأداء أمرًا ضروريًا للمتداولين لإجراء التعديلات اللازمة حسب ما تقتضيه ظروف السوق المتغيرة.
وتُعد إدارة المخاطر ركيزة أساسية للمتداولين الكمّيين. فأدوات مثل "أوامر وقف الخسارة" تقوم تلقائيًا بإغلاق الصفقات عند حد خسارة محدد مسبقًا، وتحد من التعرض لمزيد من الخسائر*. أما "أوامر جني الأرباح"، فتعمل على تأمين الأرباح المحققة من خلال إغلاق الصفقات عند الوصول إلى هدف ربح محدد مسبقًا. وتساعد هذه الأدوات على تقليل المخاطر إلى أدنى حد ممكن، خاصة خلال جلسات التداول عالي التردد.
*أوامر وقف الخسارة ليست مضمونة بشكل كامل
التداول الكمّي مقابل التداول الخوارزمي
يعتمد كلا النوعين من التداول على الأتمتة (التشغيل الآلي)، ولكن التداول الكمّي يركز بشكل أساسي على عملية تطوير الاستراتيجيات القائمة على التحليل العميق للبيانات، بينما يركز التداول الخوارزمي على عملية التنفيذ الآلي للصفقات وفقًا لتلك الاستراتيجيات أو لقواعد أخرى محددة مسبقًا. بعبارة أخرى، كل تداول كمي هو بالضرورة تداول خوارزمي، ولكن ليس كل تداول خوارزمي يستند بالضرورة إلى نماذج كمية معقدة.
وجه المقارنة | التداول الكمي | التداول الخوارزمي |
---|---|---|
محور التركيز | تطوير استراتيجية قائمة على البيانات | تنفيذ الصفقات تلقائيًا |
الأدوات المستخدمة | النماذج الإحصائية والخوارزميات والاختبارات على البيانات التاريخية | قواعد تنفيذ الصفقات المبرمجة مسبقًا |
الاستخدام | من قبل المؤسسات الكبيرة غالبًا، ولكنها في طريقها لتصبح متاحة بشكل أكبر للأفراد | يستخدمه المتداولون الأفراد، والمؤسسات، وصناديق التحوط |
أبرز استراتيجيات التداول الكمّي مع نماذج وأمثلة تطبيقية
تستند استراتيجيات التداول الكمّي في جوهرها إلى نماذج رياضية وخوارزميات وتحليلات إحصائية دقيقة، بهدف مساعدة المتداولين على اتخاذ قرارات منضبطة ومدروسة. وتعمل هذه التقنيات على تحييد عملية اتخاذ القرارات القائمة على العاطفة، ويمكن تخصيصها وتكييفها لتتناسب مع تفضيلات كل متداول، وأهدافه الربحية، وقدرته على تحمل المخاطر.
وفيما يلي، نستعرض اثنتين من استراتيجيات التداول الكمّي الأكثر شيوعًا:
استراتيجية الارتداد نحو المتوسط
تقوم هذه الاستراتيجية على فرضية اقتصادية مفادها أن أسعار الأصول، بعد أي انحرافات كبيرة، تميل إلى العودة والارتداد نحو متوسطها التاريخي بمرور الوقت.
وفي إطار هذه الاستراتيجية، يبحث المتداولون الكمّيون عن الحالات التي يبتعد فيها سعر السوق بشكل كبير عن متوسطه طويل الأجل. فعلى سبيل المثال، إذا كان أصل ما يتداول بسعر أقل بكثير من متوسطه التاريخي، فقد يقوم المتداول بفتح صفقة شراء، توقعًا منه بأن السعر قد يرتد صعودًا نحو المتوسط. وعلى النقيض من ذلك، قد يتم فتح صفقة بيع على المكشوف إذا كان السعر أعلى بكثير من متوسطه.
وهناك صيغة أكثر تقدمًا تُعرف بـ "تداول الأزواج"، حيث يقارن المتداولون بين أصلين مترابطين في حركتهما. فإذا انحرفت نسبة السعر بينهما عن متوسطها التاريخي، قد يقوم المتداولون بفتح صفقة شراء على الأصل المُقوم بأقل من قيمته، وصفقة بيع على المكشوف على الأصل المُقوم بأعلى من قيمته، توقعًا منهم بأن هذه النسبة ستعود إلى وضعها الطبيعي.
مثال تطبيقي: ينخفض سعر سهم ما بنسبة 15% عن متوسطه المتحرك لمئتي يوم، مما يشير إلى فرصة شراء محتملة. وباستخدام التحليل الكمّي، يؤكد المتداول أن السهم يميل تاريخيًا إلى الارتداد صعودًا نحو متوسطه، فيدخل في صفقة بناءً على هذا التوقع.
استراتيجية اتباع الاتجاه أو تداول الزخم
تفترض استراتيجية اتباع الاتجاه، أو ما يُعرف باستراتيجية تداول الزخم، أنه عندما يبدأ أصل ما في التحرك في اتجاه معين، فإنه غالبًا ما سيستمر في التحرك في نفس الاتجاه لفترة من الزمن. ويستخدم المتداولون مؤشرات الزخم لقياس قوة هذا الاتجاه. فإذا كان هناك اتجاه صاعد يتمتع بزخم شرائي كبير، فقد يدخلون في صفقة شراء توقعًا منهم باستمرار هذا الاتجاه. وبالمثل، إذا كان هناك اتجاه هابط يتمتع بزخم بيعي عالٍ، فقد يدخلون في صفقة بيع على المكشوف.
وعادةً ما تحدد الخوارزميات قوة الزخم باستخدام مؤشرات فنية مثل المتوسطات المتحركة، ومؤشر القوة النسبية (RSI)، ومؤشر تقارب وتباعد المتوسطات المتحركة (MACD).
مثال تطبيقي: يحدد متداول كمّي زخم سلعة أولية تشهد ارتفاعًا مطردًا، مدعومًا بأحجام تداول قوية. فيستخدم خوارزمية تقوم بالشراء تلقائيًا عندما يخترق السعر متوسطًا متحركًا رئيسيًا، وتخرج من الصفقة عندما يتباطأ الزخم، مما يقلل من مخاطر التعرض لانعكاسات مفاجئة.